نجاح من خاصرة المعاناة

تم النشر في 24/08/2024

نجاح من خاصرة المعاناة

في حياة بعض الناس قصص نجاحٍ وتحدٍّ ولدت من رحم المأساة، حيث تجاوزوا ظروفهم الصَّعبة بالعمل والجدِّ والصَّبر، فكانوا كالقناديل المضيئة في الليالي المظلمة، وكانوا كالزهور التي تنبثق من بين الصخور الصماء في ولادةٍ جديدة للحياة من خاصرة الألم و الشقاء.

ومن قصص النَّجاح هذه قصة حياة السيدة “وردة” التي كانت حياتها رحلةَ مليئة بالبؤس والظلم والقهر والإعاقة المتمثلة ببتر ساق “وردة” اليمنى، حيث كانت وطفليها من بين مجموعة كبيرة من الّنساء والأطفال الناجين من إحدى مناطق الصراع، الذين تم استقبالهم في مخيم الهول في مطلع عام 2018، فعولجت فيه وركّب لها طرف صناعي منحها شيئاً من الأمل وأعانها على تدبرشوؤن حياتها وحياة طفليها.

وفي مخيم الهول تلقّت السيدة “وردة” وعلى مدار ثلاثة أشهر، خدمة إدارة الحالة من إحدى المنظمات الإنسانية العاملة فيه، هذه الخدمة التي أوصلتها بعد عشر جلسات إلى التعافي من أعراض الصّدمة بسبب بتر ساقها حيث عادت البسمة تملأ محياها، حيث كان للحبّ الذي تحمله لطفليها دوراً هاماً في تعافيها النّفسي والجسدي.

هكذا عادت ” وردة ” إلى حياتها الطبيعية، فانظمت إلى دورة لمحو الأمّية، وتمكنت بعد ستة أشهر أن تتعلم أساسيات القراءة والكتابة.

واستمرت “وردة” في الإنخراط في العديد من الورش التدريبية و الدّورات داخل المخيم المقدّمة من المنظمات الإنسانية العاملة في مخيم الهول، ومن أهمها دورات المهارات الحياتية وسبل العيش والتواصل الفعال والإندماج المجتمعي والتي لها الدّورالإيجابي والأثر الفعّال في تسهيل إندماج السيدة “وردة” في مجتمع المخيم، وهو ما سينعكس إيجاباً على إندماجها اللاحق في المجتمع بعد خروجها من المخيم.

وقد تفتحت في قلب السيدة “وردة” آلاف الأزهار وأشرقَ في عينيها بريق الأمل عندما وجدت اسمها في قائمة النّساء اللواتي سيخرجن من المخيم بكفالة عشائرية، وكان ذلك في ربيع عام 2019.

خرجت “وردة” من مخيم الهول كما لو أنها شجرة ورد تفوح بكامل عطرها، ومنذ وصولها وطفليها إلى منزل ذويها في مدينة الرقة أخذت تبحث عن فرصة عمل، حيث تحصّلت في نهاية المطاف على منحةٍ ماليةٍ لإقامة مشروع صغير لبيع منتجات الألبان والأجبان من إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مدينة الرقة التي تستهدف دعم مشاريع سبل العيش للنساء العائدات من المخيمات، ومن بينها مخيم الهول، وقد ترافق الدًّعم المادي المقدّم للسيدة “وردة” مع دعم آخرمعنوي من خلال تقديم الاستشارات القانونية واستخراج الثبوتيات والورقيات الضرورية اللازمة لها ولطفليها لضمان حقوقهم وحرية تنقلاتهم ولتسهيل مباشرتها بمشروعها الجديد دون أيّ عوائق قانونية.

وهنا برز الدّور الهام لمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية ومؤسسات الإدارة الذاتية في تنفيذ مختلف حملات الدّعم للّنساء العائدات من المخيمات، من خلال عبارات الترحيب التشجيعية واللوحات الإعلانية والصورالفوتوغرافية التي تظهر دعم وإحتضان النّساء العائدات من المخيمات، وكذلك إعلامياً عبر مختلف وسائل التواصل الإجتماعي وعبر شاشات التلفزة المحلية وإذاعة الراديو، وعبراللقاءات والحورات للشخصيات المؤثرة في المجتمع من رجال دين وأطباء ومعلمين ومثقفين وأدباء وفنانين، وقد ساهم كل ذلك في نشر الحقيقة و المحبّة وقيم الإخاء والمودّة ونبذ الكراهية والعنف وتصحيح المفاهيم والأفكارالخاطئة التي تضرُّ بالتماسك المجتمعي بين مختلف مكونات المجتمع.

وقد ساهمت كل هذهِ الجهود و المبادرات بتسهيل إندماج النّساء العائدات من المخيمات، وتنشيط دورهن في بناء المجتمع.

ومن هنا أخذ المجتمع المحلي ينظر إلى ” وردة ” كصانعة للحياة والأمل، فعادت إليه بالحبِّ والعمل المثمر وعاد إليها ليمحنها الثقة والأمان والطمأنينة؟

هكذا انطلقت ” وردة ” مع طفليها شاقةً طريقها مجدداً في رحلة الحياة، ولكن هذه المرة بثقة وقوة وأمل، مزودةً بعمل يوفر لها ولطفليها حياة كريمة وسمعة حسنة وطاقة إيجابية.

ولم تنسَ “وردة” أن تصطحب طفليها من حين لآخر إلى إحدى الحدائق العامة في أمسيات الرقة الجميلة، حيث تلهو مع طفليها ويلعبون ويمرحون ويعيشون معاً لحظات رائعة كلّها دفء ومحبّة وفرح.

وفي نهاية هذهِ الأمسية الجميلة عادت “وردة” مع طفليها إلى بيتها وهي تستشعر نعمة الحياة الكريمة، وقبل ذلك نعمة الأمن والأمان، حيث يمكنها أن تنام مع طفليها ـ بملء جفونهم ـ ويستيقظون على صباح جديد دونما خوف.

محمد بركو بركو

تم بواسطة Balloon

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قد ترغب أيضاً بقراءة:

تحطيم القيود

تحطيم القيود

تحطيم القيود في شمال وشرق سوريا، تبرز قصص نجاح العائدات من مخيم الهول كمصدر إلهام للمجتمع بأكمله. تعكس هذه القصص أهمية المشاركة المجتمعية ودور النساء في تحقيق التغيير. بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها العائدات، إلا أنهن تمكنّ من تحقيق تقدم ملحوظ بفضل الدعم...

من مخيم الهول إلى الريّادة

من مخيم الهول إلى الريّادة

من مخيم الهول إلى الريّادة تواجه النساء الخارجات من مخيم الهول تحدياتٍ هائلة في محاولة إعادة بناء حياتهن والاندماج في المجتمع الجديد بعد سنوات من العزلة والظروف القاسية في المخيم، يسعين جاهدات في تحقيق الاستمرار وفتح صفحة جديدة. إلا أنّ مسارهُنّ لا يخلو من العقبات...

إطلاق مبادرة لتشجيع الأطفال على القراءة في أحياء مدينة الرقة

إطلاق مبادرة لتشجيع الأطفال على القراءة في أحياء مدينة الرقة

أطلقت منظمة “بالون” مبادرة بعنوان “هيا نقرأ” في أحياء مدينة الرقة. وقال منسق المبادرة أسامة الذخيرة في تصريح خاص لبيسان اف ام اليوم الأحد إن الحملة تهدف إلى تشجيع الأطفال على القراءة بطريقة ممتعة. ولفت الذخيرة إلى أن المنظمة أقامت دورة تدريبية لـ 20 متطوعاً في الرقة...

شريط القراءة: