من مخيم الهول إلى الريّادة
تواجه النساء الخارجات من مخيم الهول تحدياتٍ هائلة في محاولة إعادة بناء حياتهن والاندماج في المجتمع الجديد بعد سنوات من العزلة والظروف القاسية في المخيم، يسعين جاهدات في تحقيق الاستمرار وفتح صفحة جديدة. إلا أنّ مسارهُنّ لا يخلو من العقبات بدءًا من الصدمات النفسية والندوب العاطفية والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، في الوقت ذاته. تُجسِّد قصص نجاحهنّ صورةً قويةً للإرادةِ والصمود، حيث يُثبتن أنّ القدرة على التكيّف والتغلّب على الصعاب هي مفتاح الاندماج والتقدم.
أم نورة من الكثيرات اللواتي خرجن من مخيم الهول، ولكنها من القليلات اللواتي لم يستسلمن وحققن النجاح رغم الصعوبات. بعدما كان شعور اليأس يحيط بها من كلّ حدب وصوب داخل ذلك المخيم، وكانت الحياة قد توقفت على حدود خيمتها القاسية في حرّ الصيف، القارصة في صقيع الشتاء، لاح لها بصيص أمل بقرار خروجها من المخيم لتصطدم بتحديات أكبر، إذ لم يكن لديها بيت يؤويها وأطفالها ، فأُجبِرت على الإقامة في قريةٍ بغرفةٍ صغيرةٍ مبنيّة من طينٍ وقشٍ، وهي في حالةٍ مُزريةٍ تتسرّب منها مياه الأمطار، مما جعلها تخشى انهيارها في أيّةِ لحظةٍ .بعد ثمانية أشهر، اضطُرّت لمغادرة الغرفة حفاظًا على حياة أطفالها وانتقلت إلى المدينة في بيت غير مؤهل للسكن لعدم القدرة على استئجار منزل مناسب.
رغم التحديات قررت أم نورة كسر الحاجز بينها وبين المجتمع، والعمل بشهادتها الاكاديمية، فهي من النساء المتعلمات. حاولت ساعيًة أن تبحث عن فرصتها، لكنها باءت بالفشل، إذ كانت تُرفَض لأسباب عديدة، منها: كونها كانت تقطن في مخيم الهول، أو أنّ الأجر كان زهيدًا لا يلبّي أهم الاحتياجات الأساسية للعائلة. رفْضُ المجتمع لها زاد من شعورها بالوحشة والعزلة، لكنها لم تعطه بالاً، والقت تلك التحديات وراء ظهرها باحثةً عن حلول لمواصلة الحياة. فقد كانت المعيلة الوحيدة لأطفالها الأيتام، ولأختها المصابة وأطفالها.
بدأت أم نورة بالانضمام الى التدريبات المهنية التي قدمتها المنظمات الإنسانية، وتعلمت مهنًا جديدةً ساعدتها على تنمية مهاراتها. استثمرت موهبتها في الرسم بتعلم التطريز على الأثواب النسائية -لأن الفن شيء اساسيٌّ في هذه المهنة- كما تعلمت صناعة الحلويات. من خلال هذه التدريبات، حصلت على فرص للتعرف على أناس جدد، وكسب صداقات، مما ساعدها على تقوية علاقاتها الاجتماعية. كانت تهدف إلى أن تُري المجتمع أنّهم أشخاص عاديون لا يختلفون عن الآخرين بشيء سوى أنهم خُذلوا كثيرًا وارهقتهم ظروف الحرب.
ولأن لا قدرة على العيش السليم دون الشعور بالانتماء، شاركت أم نورة في جلسات نقاش خاصة بموضوع الخارجات من مخيم الهول، وطرحت بعض الحلول، مما جعل بعض المنظمات تُرسل لها دعوات خاصة لتكون عنصرًا مُشجّعًا للأخريات. خطوةً بخطوة حررت أم نورة نفسها من تلك القيود، وافتتحت مشروعها الصغير من منزلها مستثمرةً ما اكتسبته من خبرات خلال حضورها للتدريبات؛ يتضمن مشروعها إعداد أطباق من الطعام والحلويات وكلّ ما يخص المطبخ من مؤونة وغيرها وإيصالها إلى الزبائن، وقد شاركت في مسابقة لأفضل مشروع في إحدى المنظمات، ونالت على مرتبة الشرف، وتطمح إلى فتح مطعمٍ كبير بإدارتها مستقبلاً.
فيما يتعلق بأطفالها اجتهدت أيضًا عليهم كما اجتهدت على نفسها، فهي حريصةٌ على تعليمهم، لذا قامت بإرسالهم إلى المدارس والروضات، وشاركتهم في الأنشطة التي تقوّي علاقتهم مع مجتمعهم المحيط.
اختتمت أم نورة حديثها قائلةً:
“تعلمت أن لا مكان لليأس، وأن الصبر دواء لكل داء، وتحقيق ذواتنا يكمن باستمرارنا وسعينا جاهدين للتمسك بأهدافنا السامية، وأنّ الحياة لا تقف عند تحدٍ يواجهنا، ولا عند عتبة أحد، فإن خُذلنا من أشخاص فحتمًا هنالك أشخاص جيدون. أمّا الماضي فذهب مع الماضي، ونحن بنات اليوم، نعيش العصر، والحال لا يبقى على حاله “
ليس بغريبٍ أن نسمع عن مثل هذه الإنجازات، وأن نرى هذه القوة، فأم نورة لا تمثل فقط قوة الفرد بل تمثل الأمل والتفاؤل في قدرة المجتمعات على دعم واستيعاب العائدين من ظروفٍ صعبةٍ. هكذا عُرفت نساؤنا مناضلات، صامدات، لا يرضين الفشل، في كلّ تحدٍ يواجهنه، يُبرهِنّ على أنّ الإرادة الصلبة والإيمان بالقدرة على التغيير يمكن أن يحوّلا الأحلام إلى واقع ملموس.
جميل جدا